بقلم يولاندة غواردي – جامعة تورينو إيطاليا
لا يختلف اللغويون المتخصّصون في أن اللغة العربية من أقدم اللغات الحيّة وأنها ورغم طول تاريخها واتساع مساحتها الجغرافية قد استطاعت أن تتأقلم وتتماشى مع تغيّر العالم من حولها على مرّ العصور.
استمرار عظمة العربية مرتبط بقدرتها على منافسة اللغات الحيّة الأخرى. لذا فلا بدّ أن تمتلك وسائل التحدّي التي يفرضها العصر الحالي، كتجديد وتوسيع المصطلحات اللازمة لمواكبة التطور العلمي والتكنولوجي في كل المجالات، الفكرية والانسانية والاجتماعية وغيرها. وكذلك اكتساب وتطبيق التقنيات والمناهج العصرية كي يستمرّ الناطقين بها في اتقانها ونشرها بين غير الناطقين بها وبين الأجيال الجديدة التي تواجه صعوبة مع أنظمة التدريس التقليدية.
ولكي تواجه تحديات العصر الراهن عليها تطوير المصطلاحات في المجالات العلمية عموما كي يتسنى لناطقيها وللدول التي لغتها الرسمية العربية الاستغناء عن استعمال لغات أجنبية في مجالات حسّاسة مثل الطب والهندسة والصناعة وغيرها، في المعاهد التعليمية وفي مجالات الحياة العادية. وهذا يعني بعث وتقوية حركة الترجمة والتعريب التي سبق وأن جعلت من اللغة العربية سيّدة اللغات قبل أربعة عشر قرنا.
لقد دفعت التغيّرات السياسية والاجتماعية الراهنة إلى فتح المجال أمام اللغة العربية للحصول على فرص في سوق العمل في أوروبا والدول الغربية. ولتلبية الشروط المطلوبة للحصول على تلك الفرص لا بد من وسيلة ناجعة لمنح شهادة الكفاء في اللغة العربية كما تمليه معايير اكتساب اللغات في هذه الدول. وفي هذا الاتجاه، وبالتحديد في بداية سنة 2019، قمتُ أنا ومجموعة من الباحثين والمتخصّصين في تدريس اللغة العربية في ايطاليا بتأسيس “مركز إلى® للدراسات”. كانت رؤيتنا منذ الخطوة الأولى للمشروع هي النظر إلى المستقبل واعتبار العربية لغة متساوية مع اللغات الأخرى، لغة قابلة لتطبيق معايير الإطار المرجعي الأوروبي المشترك للغات، سواء في التدريس أو في اختبار كفاءة مستويات شهادة اللغة العربية. طبعا، “مركز إلى® للدراسات” كي يكون عمله متكامل يسعى لنشر مؤلفات وأبحاث ونشاطات عن اللغة العربية.
إنّ الوسائل التي تأخذ بعين الاعتبار التغيير الفكري والاجتماعي لعالمنا ستضمن استمرارية عطاء اللغة العربية وتساعدها على مواجهة كل التحدّيات وتمكنها من خدمة الانسانية بالفكر والتواصل.